![]() |
| Photo by Steve Johnson on Unsplash |
سباق الذكاء الاصطناعي يقود طفرة في "هندسة الديون"
خلال الأشهر الماضية، لم تعد المنافسة في الذكاء الاصطناعي تدور حول من يملك أفضل نموذج لغوي، بل حول من يستطيع تمويل البنية التحتية الهائلة التي يتطلبها. من وادي السيليكون إلى وول ستريت، تتسارع الشركات العملاقة في ابتكار هياكل تمويلية معقدة تمزج بين الدين والملكية، في محاولة لتوسيع قدراتها الحاسوبية دون تحميل ميزانياتها العمومية أعباء غير محتملة.
هذا التحول المالي العميق يعيد تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والتمويل، ويكشف عن وجه جديد للذكاء الاصطناعي: ليس فقط كسباق تقني، بل كسباق مالي بامتياز.
ميتا و"Hyperion": ديون خارج الميزانية العمومية
صفقة "Hyperion" بين Meta وBlue Owl Capital تمثل نموذجًا لهذا التحول. فالمشروع، وهو مركز بيانات تقدر قيمته الإجمالية بحوالي 30 مليار دولار، تم تمويله عبر هيكل معقد يجمع بين 27 مليار دولار من الديون وحقوق ملكية.
صُممت الصفقة بذكاء لإبقاء الجزء الأكبر من الدين خارج ميزانية ميتا العمومية، حيث احتفظت بحصة 20% فقط، لكنها قدمت في المقابل ضمانات غير مسبوقة للمستثمرين في حال انسحابها من المشروع. هذه البنية التمويلية تعكس حاجة حتى أقوى الشركات إلى ابتكار أساليب جديدة لمواكبة سباق الذكاء الاصطناعي، مع إدارة المخاطر المرتبطة بالإنفاق الرأسمالي الضخم.
OpenAI و"Stargate": التمويل في مستوى الكواكب
أما في حالة OpenAI، فإن مشروع "Stargate" المشترك مع Oracle وSoftBank يعكس نفس المنطق على نطاق أوسع. فبينما يتم تمويل مشاريع محددة مثل مركزي بيانات في تكساس وويسكونسن بقيمة 38 مليار دولار عبر تحالف يضم أكثر من 30 بنكًا، فإن هذا ليس سوى جزء من مبادرة "Stargate" الأوسع، التي قد تصل استثماراتها إلى 500 مليار دولار بحلول 2029.
وفي خطوة تكشف حجم الطلب الهائل على القدرة الحاسوبية، أبرمت OpenAI صفقة منفصلة لاستئجار سعة حوسبية من Oracle بقيمة 30 مليار دولار سنويًا — رقم يوضح كيف أصبح الذكاء الاصطناعي قطاعًا يحتاج تمويلًا بمستوى دول وليس شركات فقط.
تحذيرات J.P. Morgan: الأرقام التي تكشف الواقع
في تحليل مثير للجدل، قدّر J.P. Morgan أن بناء البنية التحتية المطلوبة لتحقيق ما يسمى "الذكاء الاصطناعي العام" سيحتاج إلى مئات المليارات سنويًا. وللتقريب: هذا يعادل أن يدفع كل مستخدم آيفون في العالم 35 دولارًا إضافيًا شهريًا، أو أن يضيف كل مشترك في نتفليكس 180 دولارًا شهريًا — إلى الأبد.
هذا الرقم، الذي يبدو خياليًا، يسلط الضوء على الفجوة الهائلة بين التوقعات والعوائد الحالية، وعلى مدى اعتماد القطاع على التمويل القائم على الديون لتغطية طموحاته المستقبلية.
هل هذه الطفرة ابتكار مالي أم قناع يخفي المخاطر؟
تطرح هذه الديناميكيات سؤالًا جوهريًا:
هل الهندسة المالية المعقدة التي نشهدها في صفقات الذكاء الاصطناعي العملاقة علامة على الابتكار، أم إشارة على إخفاء المخاطر؟
بينما يركز البعض على الجانب الإيجابي — حيث توفر هذه الهياكل مرونة تمويلية تتيح التوسع السريع — يحذر آخرون من أن الاعتماد المفرط على الديون، خاصة في بيئة أسعار فائدة مرتفعة، قد يؤدي إلى فقاعة تمويلية جديدة تشبه ما شهدناه في قطاع العقارات عام 2008 أو في موجة "البلوك تشين" عام 2017.
لماذا يحدث هذا الآن؟
لفهم هذا الانفجار في الإنفاق، يجب النظر إلى اللحظة الاقتصادية والتقنية الحالية.
- نضج النماذج اللغوية الكبرى جعل الحاجة إلى حوسبة ضخمة غير قابلة للتأجيل.
- المنافسة المحتدمة بين عدد محدود من اللاعبين (OpenAI، Google، Meta، Anthropic) تدفع الجميع لرفع سقف المخاطرة.
- بيئة أسعار الفائدة المرتفعة تجعل التمويل التقليدي أقل جاذبية، ما يدفع إلى حلول تمويلية هجينة توازن بين المرونة والمخاطر.
بعبارة أخرى، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد سباق خوارزميات — إنه سباق ديون منضبط بعوامل اقتصادية عالمية.
ما تعلمته من سنوات تغطية التكنولوجيا
خلال خمسة عشر عامًا من متابعة موجات الابتكار، رأيت هذا السيناريو من قبل. ففي عام 2017، كانت "البلوك تشين" هي الكلمة السحرية، وكما وثقت تقارير عديدة آنذاك، أغرت الجميع بالاستثمار في "مستقبل لامركزي" لم يتحقق بالكامل. واليوم، يعيش الذكاء الاصطناعي لحظة مشابهة: اندفاع هائل، تمويل غير مسبوق، وتوقعات فلكية.
الفرق الوحيد هو أن هذه المرة الرهان أكبر بكثير — ليس على رموز رقمية، بل على بنية تحتية ستحدد ملامح الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.
الخلاصة
الذكاء الاصطناعي يدفعنا إلى إعادة التفكير في حدود الدين والابتكار معًا. وبينما يرى المتفائلون أن هذه الاستثمارات تمهّد لعصر جديد من الإنتاجية، يحذر الواقعيون من أن التاريخ لا يكرر نفسه، لكنه غالبًا يُقرض نفسه بنفس الشروط.
