![]() |
| Image on Freepik |
تقدير تبلغ قيمة منصة الذكاء الاصطناعي Gamma بـ 2.1 مليار دولار لم يأتِ من ضجيج استثماري عابر، بل من تحول حقيقي في الطريقة التي تُبنى بها أدوات العمل الحديثة. فخلال أربع سنوات فقط، انتقلت Gamma من فكرة ناشئة إلى منصة يستخدمها 70 مليون شخص لإنتاج أكثر من 400 مليون قطعة محتوى — وكل ذلك بفريق لا يتجاوز 50 موظفًا وتمويل إجمالي يقارب 90 مليون دولار. هذا ليس مسار نمو تقليديًا. إنه يشير إلى شيء أعمق يحدث تحت السطح: الذكاء الاصطناعي لم يعد ميزة إضافية في أدوات الإنتاج، بل أصبح العمود الفقري لها.
كيف وصلت Gamma إلى هنا؟
السياق الزمني مهم، لأنه يكشف ما هو أبعد من الأرقام. تأسست Gamma في أواخر 2020، لكنها لم تدخل مرحلة الانفجار الحقيقي إلا في أوائل 2023 مع إطلاق نسختها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي — النسخة التي حولت المنصة من أداة لتحرير الشرائح إلى ما يشبه "وكيل تصميم" Agent يتولى مهمة تحويل الأفكار الخام إلى عروض جاهزة. أكثر من 70 مليون مستخدم وأكثر من 400 مليون قطعة محتوى ليست مجرد نتائج نمو، بل انعكاس لنقطة التحول التي أحدثها دخول الذكاء الاصطناعي إلى المنتج نفسه، وليس فقط كميزة إضافية.
إيرادات بقيمة 100 مليون دولار سنويًا (ARR) ليست مجرد إنجاز مالي لعدة أسباب. أولًا، تحقق ذلك بمعادلة تشغيلية تكاد تكون غير واقعية مقارنة بمعايير الصناعة: فريق صغير جدًا، تمويل محدود، وربحية مبكرة. هذا يخلق سؤالًا يستحق التوقف عنده: هل نحن أمام بداية تحول في اقتصاديات تطوير البرمجيات؟ يبدو أن Gamma تقول نعم — بقوة.
منصة وليست أداة: ما الذي تغيّر فعليًا؟
في عالم امتلأ بأدوات "مولدات الشرائح" و"منشئي المحتوى"، اختارت Gamma طريقًا مختلفًا: بناء منصة سرد بصري شاملة، وليست مجرد بديل مباشر لـ PowerPoint. أحد التعليقات اللافتة جاء من سارة وانغ، الشريكة العامة في Andreessen Horowitz، التي أوضحت أن فريق A16Z نفسه يستخدم Gamma داخليًا لصياغة خرائط الأسواق والمنشورات الاجتماعية. هذا التصريح لم يكن دعاية — كان اعترافًا بأن الأداة أصبحت جزءًا فعليًا من سير عمل المستثمرين الذين يمولون النظام نفسه.
لكن هنا يصبح الأمر مثيرًا تقنيًا: Gamma 3.0 لم تكتفِ بتحسين تجربة المستخدم، بل أطلقت واجهة AI-native تعتمد على وكيل تصميم Agent يفهم السياق، ويعيد ترتيب المحتوى، ويطبق تصميمًا اتساقيًا — دون تدخل يدوي تقريبًا. هذه ليست خطوة تجميلية؛ إنها إعادة كتابة لما يعنيه "تصميم المستندات" في الأساس.
التناقض الذي يكشف الحقيقة: نمو فيروسي وتمويل حذر
غالبًا ما ترتبط الشركات التي تصل إلى تقييمات بمليارات الدولارات بسباقات تمويل وحرق نقد كبير. لكن Gamma سلكت المسار المعاكس: نمو فيروسي ومؤشرات مالية ممتازة، بتمويل محدود ونهج محسوب. قد يبدو ذلك غريبًا، لكنه في الحقيقة مفتاح الاستراتيجية: بناء منتج يولد قيمة مباشرة، بدلًا من مطاردة تقييمات متضخمة.
النقطة التي تستحق الانتباه هي أن تمويل السلسلة B البالغ 68 مليون دولار تضمن عرضًا ثانويًا بقيمة 20 مليونًا لمنح السيولة للموظفين الأوائل — خطوة نادرة تشير إلى قناعة الشركة بأن من بنوا المنتج يجب أن يستفيدوا من نجاحه، وهو ما يعزز ثقافة الاستدامة الداخلية بدلاً من ثقافة "النمو بأي ثمن".
لماذا يقود الذكاء الاصطناعي هذا التحول؟
السر ليس في قدرة Gamma على إنشاء عروض جميلة، بل في قدرتها على تقليل الزمن والجهد المرتبطين بالعمل المعرفي. عندما يقول مدير أكبر وكالة علاقات عامة في أمريكا اللاتينية إنهم أوقفوا استخدام PowerPoint بالكامل
وإن Gamma توفر لهم 50,000 ساعة عمل سنويًا، فإن ذلك يكشف تغيرًا جوهريًا: في بيئات العمل السريعة، لم يعد التصميم مهارة جانبية — بل عنق زجاجة.
وهنا السؤال الأكبر تقنيًا: هل يمكن لنموذج تصميم قائم على الذكاء الاصطناعي أن يعمم هذا النوع من الكفاءة على الصناعات الأخرى؟ التجربة تشير إلى أن ذلك ممكن.
أمثلة واقعية توضّح التأثير
المصدر الأبرز هو حالة وكالة العلاقات العامة الكبيرة التي تبنت Gamma بالكامل لإنتاج عشرات العروض يوميًا. هذه حالة مثبتة. ومن منظور تحليلي، يمكن استنتاج تطبيقات مشابهة في قطاعات أخرى:
فرق المنتجات التقنية
عندما يحتاج الفريق إلى تحويل وثيقة من Notion أو نتائج اختبار مبكرة إلى عرض جاهز خلال دقائق، يصبح أي تأخير مكلفًا. Gamma تلغي تلك المهلة بالكامل.
قطاع التعليم
المعلمون الذين يقضون ساعات في إعداد عروض الدروس يمكنهم الآن بناء محتوى بصري جذاب بسرعة، خصوصًا مع وجود واجهة تفهم النص وتحوله إلى تصميم تلقائي قابل للتعديل.
هذه الأمثلة ليست تصريحات من المصادر، لكنها تطبيقات منطقية مبنية على طبيعة المنصة وسياق استخدامها الفعلي.
القيود والمقايضات التقنية
لا توجد منصة ذكاء اصطناعي بدون قيود. Gamma تعتمد بشكل كبير على نموذج تصميم تلقائي قد لا يناسب المستخدمين الذين يحتاجون درجة عالية من التحكم اليدوي. هناك أيضًا تحديات مرتبطة باتساع الاستخدام: هل يمكن لوكيل تصميم يعتمد على الذكاء الاصطناعي أن يفهم السياقات الدقيقة والتخصصات المعقدة؟ المؤشرات واعدة، لكن الإجابة ليست محسومة.
المخاوف الأخلاقية أقل وضوحًا هنا مقارنة بنماذج النصوص أو الصور، لكنها ما زالت قائمة: البيانات الحساسة، المحتوى الداخلي للشركات، واعتماد المؤسسات على منصة مركزية للاتصال البصري — كلها مخاطر تحتاج إدارة حذرة.
ما تعلمته من سنوات تغطية التكنولوجيا
عند متابعة Gamma، تذكرت مباشرة اللحظة نفسها عندما بدأ GPT-3 بالانتشار. في تلك الفترة، كانت الوعود كبيرة، لكن عدد المنتجات التي استطاعت تحويل الذكاء الاصطناعي إلى قيمة حقيقية كان محدودًا جدًا. الشيء اللافت هو أن Gamma لم تبنِ ضجيجًا حول نموذج لغوي، بل حول منتج يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين مهمة يومية ملموسة.
هناك نمط تكرر في كل موجة تقنية غطيتها: الشركات التي تبني منتجات عملية تستفيد من الذكاء الاصطناعي — بدلًا من بناء الذكاء الاصطناعي فقط — هي التي تصمد. نجاح Gamma بتمويل محدود وبربحية مبكرة يعيد هذا الدرس إلى الواجهة بوضوح.
إن كانت هناك نصيحة يمكن تقديمها للمطورين أو المستثمرين هنا فهي بسيطة: الذكاء الاصطناعي لا يُقاس بحجم النموذج أو تعقيد الخوارزمية، بل بقدرة المنتج النهائي على حل الألم الحقيقي لدى المستخدمين. Gamma فعلت ذلك، ولهذا وصلت إلى تقييم 2.1 مليار دولار بينما شركات بتمويل أكبر تتعثر.
في النهاية، قصة Gamma ليست مجرد قصة تقييم مرتفع، بل قصة عن نموذج جديد لبناء أدوات العمل — نموذج يقوده الذكاء الاصطناعي، ويكافئ البساطة، ويركز على القيمة الفورية بدلًا من الوعود البعيدة.
