![]() |
| Photo by Déji Fadahunsi |
العالم يعيش لحظة انفجار تقني غير مسبوق. كل يوم نسمع عن نموذج جديد، ابتكار جديد، ذكاء اصطناعي جديد…
لكن ما لا نسمعه بالقدر الكافي هو حجم الأموال التي تتحرك خلف هذه النماذج. أموال تجعل ميزانيات الدول تبدو كأنها مشاريع صغيرة.
القصة التي ستقرأها الآن ليست عن «الذكاء الاصطناعي»… إنها عن التريليونات التي تغيّر شكل العالم، وعن سباق مالي لا يتوقف لأن مجرد التوقف يعني الخروج النهائي من اللعبة.
شركة واحدة أغلى من اقتصاد دولة: لحظة Nvidia التاريخية
عندما تخطّت NVIDIA حاجز 5 تريليون دولار في قيمتها السوقية — وفقًا لـThe Guardian — لم يعد بإمكان أي محلل القول إن ما يحدث “ارتفاع عادي”.
خمسة تريليونات. رقم يقترب من مضاعفة الناتج المحلي لدولة مثل ألمانيا.
هذه اللحظة لم تكن مجرد قفزة في سهم شركة. بل كانت إعلانًا واضحًا عن بداية اقتصاد جديد… قائم بالكامل على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية التي تغذّيه.
OpenAI: من شركة ناشئة… إلى مركز زلزال يحرك نصف تريليون دولار
هنا تبدأ الأرقام بالخروج من نطاق المعقول.
وفقًا لتحليل The Guardian، دخلت OpenAI في صفقات بنية تحتية “تتجاوز نصف تريليون دولار”. وتحديدًا، تشير الأرقام المنشورة إلى التزامات تقارب 588 مليار دولار مع شركات مثل:
- Microsoft: نحو 250 مليار دولار
- Oracle: نحو 300 مليار دولار
- NVIDIA: قرابة 100 مليار دولار
- Amazon: صفقة تقارب 38 مليار دولار
المثير هنا: هذه الأرقام المتناثرة في التقرير تجمع معًا إلى 688 مليار دولار — أي أكثر بـ100 مليار من الرقم الذي تستشهد به الصحيفة. هذا التباين نفسه يخبرنا شيئًا مهمًا: حجم الصفقات أصبح أكبر من قدرة حتى المصادر الموثوقة على تقديم أرقام نهائية متسقة.
ولذلك صياغة دقيقة تكون كالتالي:
"وفقًا لتقديرات The Guardian، دخلت OpenAI في صفقات بنية تحتية تزيد قيمتها عن نصف تريليون دولار، حيث تشير التقارير إلى التزامات تقارب 588 مليار دولار مع عمالقة مثل Microsoft وOracle وAWS."
بهذه الصياغة نلتزم بالدقة… ونكشف في الوقت نفسه عن ضخامة الأرقام لدرجة صعوبة ضبطها.
Google: 90 مليار دولار تقول إن السباق ليس اختياريًا
إذا كان التحول العالمي سباقًا، فـGoogle ليست متفرجة.
رفعت Alphabet توقعاتها للإنفاق الرأسمالي لعام 2024 إلى 91–93 مليار دولار. رقم يوازي إنفاق دول بأكملها على البنية التحتية.
وليس مجرد إنفاق. بل استثمار هجومي لضمان ألا تبقى الشركة خلف NVIDIA وOpenAI وMicrosoft.
في هذا السباق، التباطؤ لا يعني الخسارة فقط… بل الاختفاء.
المفارقة: شركات تكسب بالأرقام… وتخسر في السوق
هذه من أغرب الظواهر التي كشفتها CNBC وBarron’s.
مثال Palantir
شركة تحقق نجاحات غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك ينخفض سهمها. لماذا؟ لأن السوق اليوم يعاني من رؤية نفقية: المستثمرون لا يريدون نتائج جيدة… ولا حتى نتائج ممتازة… بل يريدون أن يروا «الفائز المحتمل الوحيد» في الذكاء الاصطناعي.
وهنا تظهر المفارقة الأكبر:
- وفقًا لـBarron’s، حققت Palantir نموًا بنسبة 121% في أعمالها التجارية في الولايات المتحدة، وتجاوزت توقعات الأرباح بشكل واضح.
- ومع ذلك، انخفض سهمها بشكل حاد.
أي أن السوق اليوم لا يعاقب الأداء الضعيف، بل يعاقب الأداء الممتاز الذي لا يصل إلى مستوى الهيمنة المطلقة. مفارقة تكشف حجم التوتر والضغط داخل قطاع الذكاء الاصطناعي.
هل نحن أمام فقاعة؟ Barron’s تقول: الوضع أخطر من كلمة "فقاعة"
حذرت Barron’s من أن المشكلة ليست مجرد ارتفاع أسعار الأسهم، بل شيء أخطر بكثير:
- صفقات دائرية (Circular Deals)
شركات تبيع لبعضها بُنى تحتية وخدمات سحابية في صفقات متبادلة تجعل تقييم القيمة الحقيقية لكل طرف ضبابيًا. - ترتيبات مالية خارج الميزانية (Off-Balance Sheet Arrangements)
التزامات عملاقة لا تظهر في البيانات المالية التقليدية، مما يجعل قراءة المخاطر الحقيقية شبه مستحيلة للمستثمر العادي. - تشابه مقلق مع ما قبل أزمة 2008
ليست فقاعة أسعار… بل تعقيد مالي يذكّر بالأدوات المهيكلة التي سبقت الانهيار.
وهذا يعني أن الخطر ليس فقط في “الارتفاع”، بل في عدم قدرة أي شخص على فهم ما يجري ماليًا بالضبط.
من الرابح الآن؟
نعم، من الواضح أن بائعي “المعالجات والمعاول” يربحون:
- NVIDIA
- Cloud hyperscalers (مزودو السحابة الكبرى)
- شركات مراكز البيانات
لكن الرواية ليست بسيطة:
- حصول الشركات الصغيرة على الحوسبة أصبح مكلفًا جدًا.
- بعض الشركات الناجحة تفقد قيمتها السوقية بسبب "التوقعات المفرطة".
- المنافسة تتحول إلى لعبة صفرية: إمّا الهيمنة… أو التلاشي.
من الخاسر؟
الجواب: أي جهة لا تستطيع إنفاق عشرات أو مئات المليارات.
المؤسف أن هذا يشمل:
- الشركات الناشئة
- الشركات المتوسطة
- بعض الحكومات
- وربما قطاعات اقتصادية كاملة
هذه ليست منافسة شركات… بل منافسة اقتصادات.
الخلاصة: ليس السؤال “هل هناك فقاعة؟”… بل “هل نملك أدوات لفهم ما يحدث؟”
كما قالت The Guardian، الأرقام وصلت لدرجة:
- قيمة NVIDIA تتجاوز اقتصادات دول
- صفقات OpenAI تصل لمستويات يصعب التحقق من حدودها
- Google تضخ 90 مليارًا في سنة واحدة
هنا يتوقف العقل البشري عن الاستيعاب.
السؤال لم يعد: "هل الذكاء الاصطناعي فقاعة؟" بل: هل يمتلك العالم القدرة على فهم هذه الظاهرة أصلًا؟
إن ما نراه ليس طفرة مالية، ولا فقاعة، ولا دورة اقتصادية. إنه تحول في طبيعة الاقتصاد العالمي نفسه— سريع، مكلف، عنيف… ولا يتوقف.
رأيي الشخصي
الذكاء الاصطناعي اليوم ليس اختيارًا اقتصاديًا… بل سباق تسلّح عالمي.
اللاعبون الكبار لا ينفقون مئات المليارات بدافع الطمع، بل بدافع البقاء. ولذلك، لن تتوقف هذه الطفرة قريبًا. ولن تنفجر فقاعة قريبًا. لأن التوقف يعني النهاية… ولأن الجميع يعرف أن المستقبل يُكتب الآن، وبأرقام أكبر مما نستطيع تخيله.
