![]() |
| Grokipedia |
مقدمة
منذ إطلاقها، أثارت Grokipedia — الموسوعة التي طوّرها فريق إيلون ماسك باستخدام الذكاء الاصطناعي — ضجة كبيرة في الأوساط التقنية والإعلامية. فبينما تُقدَّم كبديل مفتوح المصدر لويكيبيديا، يرى البعض أنها تمثل بداية فصل جديد في طريقة إنتاج المعرفة، خاصة مع اعتمادها الكامل على الذكاء الاصطناعي في التحرير والمراجعة.
من أين بدأت القصة؟
أعلنت شركة xAI، التابعة لإيلون ماسك، عن مشروع Grokipedia باعتباره منصة "تحرير مؤتمتة بالكامل" تعتمد على نموذج المحادثة Grok المستخدم داخل منصة إكس (تويتر سابقًا).
الفكرة الجوهرية هي إنشاء موسوعة قادرة على جمع وتحليل وتحرير المعلومات دون تدخل بشري مباشر، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي فقط.
تناولت وسائل الإعلام الخبر بزوايا مختلفة: فبينما أشادت مواقع مثل Giant Freakin Robot بـ"الجرأة الثورية للفكرة"، حذّرت DW من المخاطر الأخلاقية، مشيرة إلى أن "تحرير الحقيقة بواسطة خوارزميات غير خاضعة للرقابة" قد يفتح الباب أمام أشكال جديدة من التحيّز.
بين "التحيّز البشري" و"التحيّز الآلي"
لطالما واجهت ويكيبيديا اتهامات بالتحيّز البشري، خاصة في القضايا الجدلية. هنا تأتي Grokipedia بوعدٍ جديد: التحرر من الانحياز عبر الأتمتة.
لكن هل يمكن فعلاً تحقيق الحياد الكامل بالخوارزميات؟
بحسب تقارير DW، فإن أنظمة Grok السابقة لم تقع في "أخطاء بسيطة"، بل وصلت أحيانًا إلى ترويج محتوى يتضمن معاداة للسامية والإشادة بأدولف هتلر، وهو ما أثار تساؤلات عميقة حول موثوقية آليات الفلترة الأخلاقية في النموذج.
مع ذلك، يرى مؤيدو المشروع أن البيانات المتنوعة تمنحه فرصة لتقديم سرد أكثر شمولاً وتحررًا من الأيديولوجيات التحريرية التقليدية.
من بين أبرز المؤيدين لاري سانجر، المؤسس المشارك لويكيبيديا، الذي يرى أن الذكاء الاصطناعي قد "يُعيد تصحيح الخلل البنيوي في الموسوعات البشرية". كما أبدى المؤلف لاري كوريا دعمه، معتبرًا أن Grokipedia قدمت وصفًا أكثر توازنًا لحملة Sad Puppies مقارنة بويكيبيديا، قائلاً إنها "تمنح المعرفة فرصة للهروب من قبضة الانحياز الأيديولوجي".
تحليل المقارنة: أين يختلف "العقلان"؟
عرضت Business Insider مقارنة دقيقة بين محتوى الموسوعتين في مواضيع حساسة عدة.
أبرز هذه الأمثلة كان قضية Gamergate، إذ ركزت ويكيبيديا على جانب التحرش بالحملة، بينما قدّمت Grokipedia رواية تركز على "أخلاقيات الصحافة في ألعاب الفيديو".
لكن لم يقتصر الأمر على ذلك. ففي تغطية أحداث 6 يناير واقتحام الكابيتول، تشير ويكيبيديا إلى "ادعاءات زائفة بتزوير الانتخابات"، بينما تصفها Grokipedia بأنها "مزاعم واسعة النطاق بوجود مخالفات"، وهو فرق لغوي بسيط لكنه يعكس اختلافًا جوهريًا في كيفية تأطير الحقائق.
هذا النمط لا يقتصر على مثال واحد، بل يكشف — بحسب Business Insider — عن منهجية مختلفة جذريًا في جمع البيانات. فويكيبيديا تعتمد على المحررين البشر الذين يمنحون الأولوية لتقارير وسائل الإعلام التقليدية، في حين يبدو أن Grok تميل إلى مصادر غير تقليدية مثل منتديات الإنترنت والنقاشات الشعبية.
وهنا يبرز السؤال الجوهري:
ما الذي يُعتبر "مصدرًا موثوقًا" في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن للخوارزميات أن تحدد الحقيقة بمعزل عن الوعي الإنساني؟
الاستخدامات المحتملة
بينما لم تتطرق المصادر بشكل مباشر إلى التطبيقات المستقبلية، يمكن استنتاج أن Grokipedia قد تفتح آفاقًا جديدة في مجالات متعددة.
فهي قد تصبح أداة بحثية قوية للصحفيين والباحثين، أو قاعدة بيانات تدريبية ضخمة للنماذج اللغوية المستقبلية، أو حتى منصة لتوليد محتوى معرفي محايد بشكل أسرع وأكثر دقة.
الرؤية الطموحة: المعرفة إلى المريخ
ولا تقف طموحات ماسك عند حدود الأرض. فوفقًا لموقع Giant Freakin Robot، يخطط ماسك لتخزين نسخ من Grokipedia على وسائط متينة مثل أكسيد السيليكون، وإرسالها إلى القمر والمريخ، في محاولة لإنشاء ما يسميه "مكتبة الإسكندرية الرقمية الخالدة" — مشروع يحفظ المعرفة البشرية حتى في حال فناء الحضارة على الأرض.
من تجربتي
كمتابع للقطاع التقني لسنوات، أرى أن الجدل حول Grokipedia يُعيد إنتاج دورة مألوفة في عالم الذكاء الاصطناعي: الانبهار، ثم الخوف، ثم التكيّف.
ما يميز المشروع هو جرأته في إعادة تعريف عملية بناء المعرفة ذاتها. ومع ذلك، تبقى الشفافية في الإسناد والتحقق من المصادر التحدي الأكبر أمام موسوعة تحاول الاستقلال عن البشر دون أن تفقد مصداقيتهم.
قد تكون Grokipedia بداية لعصر جديد تكتب فيه الآلات التاريخ، لكنها تذكيرٌ قوي بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحلّ محلّ الوعي النقدي الإنساني.
التحليل النقدي والتوصيات
أولاً: التمييز بين التغطية والتحليل الذاتي
يجب أن تُوضَّح في المقالات التقنية متى يكون الرأي أو التحليل من الكاتب، كما في قسم "من تجربتي". تمييز ذلك بعبارات مثل "من وجهة نظري" أو "يمكن استنتاج أن..." يعزز المصداقية ويمنع الخلط بين المعلومات الأصلية والتحليل الشخصي.
ثانيًا: ربط الفروقات بالمنهج التقني
عند عرض الاختلافات بين الموسوعتين، من المهم توضيح السبب التقني خلفها، مثل اختلاف خوارزميات جمع البيانات أو أوزان المصادر، وليس الاكتفاء بالنتيجة. هذا يمنح القارئ فهماً أعمق لتأثير التقنية على المحتوى.
ثالثًا: تنويع الإسناد وزيادة التوازن
إدخال آراء المؤيدين والمعارضين، كما في حالة سانجر وكوريا، يعطي المقال عمقًا أكبر وتوازنًا في السرد.
تحسينات استراتيجية للتوليف الشبيه بالإنسان
تجاوز المثال الواحد إلى "إظهار النمط"
عند نقل الأدلة من المصادر، استخدم أكثر من مثال لإظهار التكرار أو الاتجاه العام. هذا يُظهر أن النتيجة ليست استثناءً، بل جزء من نمط واضح في التغطية أو الانحياز.
الحفاظ على حدة النقد
لا تُخفف من حدة الانتقادات الواردة في المصادر الأصلية. التفاصيل الدقيقة — مثل حالات "مدح هتلر" أو "ترويج خطاب الكراهية" — ضرورية لفهم المخاطر الواقعية للمشروع.
دمج الرؤية الطموحة بالواقع التقني
عند الحديث عن طموحات ماسك المستقبلية (مثل أرشفة المعرفة على المريخ)، اربطها بالقدرات التقنية الحالية والقيود الواقعية. هذا يخلق توازنًا سرديًا بين الحلم والإمكان.
الخلاصة
قد لا تكون Grokipedia مجرد موسوعة رقمية جديدة، بل تجربة فكرية تطرح سؤالًا أكبر:
من يملك الحقيقة في عصر الذكاء الاصطناعي؟
سواء كانت هذه الخطوة قفزة نحو معرفة أكثر حيادًا أو مجرد مرآة رقمية جديدة لتحيزاتنا القديمة، فإنها تؤكد شيئًا واحدًا:
المعرفة في عصر الذكاء الاصطناعي لن تكون كما كانت من قبل.
