كيف تغيّر سباق الإنفاق على الذكاء الاصطناعي موازين القوة ولماذا تتقدم شركات التكنولوجيا العملاقة التي تنفق على سباق الذكاء الاصطناعي؟

 

Image by freepik

اتساع الهوة بين ما يُنفق وما يثاب عليه السوق

عندما كشفت أكبر شركات التكنولوجيا عن أرقام إنفاقها على الذكاء الاصطناعي، كان من الواضح أن السباق خرج تمامًا عن الإطار التقليدي للبنية التحتية. نحن أمام مستويات إنفاق غير مسبوقة—عشرات المليارات كل ربع سنة—ومع ذلك، لم يستقبل السوق الجميع بالطريقة نفسها. هنا يصبح المشهد أكثر وضوحًا: شركات التكنولوجيا العملاقة تنفق على سباق الذكاء الاصطناعي بوتيرة تسابق نفسها، لكن المستثمرين بدأوا يميّزون بين الإنفاق الذي يشكل توسعًا منطقيًا وبين الإنفاق الذي يبدو مقامرة.

أرقام ميتا كانت الأكثر إثارة للجدل. الشركة رفعت إنفاقها الرأسمالي لعام 2025 إلى 70–72 مليار دولار، وأشارت إلى أن 2026 سيشهد "زيادة ملحوظة". زوكربيرغ دافع بشدة عن هذه القفزة، مؤكدًا أن خدماتهم "تعمل في حالة نقص دائم في القدرة الحاسوبية". لكن تبرير الطموح لا يعني أن السوق سيراه قابلًا للتحقيق. المستثمرون رأوا فجوة واضحة: قفزة في الإنفاق دون نموذج لغوي منافس بالحجم المتوقع بعد.

على الجانب الآخر، رفعت ألفابت إنفاقها إلى 91–93 مليار دولار، وارتفع سهمها—not بسبب حجم الإنفاق، بل لأنها أثبتت أنها قادرة على تمويله بثقة غير متاحة لأغلب منافسيها. أما مايكروسوفت—برغم إعلانها عن 35 مليار دولار في ربع واحد—فواجهت رد فعل أكثر برودًا بعد أن تجاوز إنفاقها التوقعات بكثير، واقتربت تكلفته التشغيلية من مستويات غير معتادة حتى لشركة بحجمها.

ألفابت… عندما يتحول الإنفاق الضخم إلى رسالة طمأنة لا تهديد

وفقًا لتحليل أجرته رويترز، تكمن قوة ألفابت في قدرتها على تمويل توسعها من تدفقاتها النقدية. ما يقارب نصف إنفاقها الرأسمالي يأتي مباشرة من عملياتها التشغيلية، وهو ما يمنح المستثمرين شيئًا نادرًا في سباق الذكاء الاصطناعي: الثقة.

ببساطة، المستثمرون لا ينظرون فقط إلى حجم الإنفاق، بل إلى قدرة الشركة على تحمله من دون المساس بهوامشها. تقرير رويترز أشار إلى أن إنفاق ألفابت يمثل 49% فقط من تدفقاتها النقدية التشغيلية. للمقارنة:

  • ميتا: 64.6%
  • مايكروسوفت: 77.5%
  • أمازون: نحو 90%

الأمر المثير هنا هو أن هذا الرقم البالغ 90% لدى أمازون لم يُستقبل كإشارة خطر. وعلى العكس تمامًا—قفز السهم بنسبة قاربت 13% بعد إعلان النتائج. السبب، كما أوضح تقرير رويترز، أن أداء AWS جاء فوق التوقعات، وأثبت للمستثمرين أن الإنفاق ينعكس نموًا فعليًا في الحصة السوقية، خصوصًا وسط المخاوف من منافسة مايكروسوفت وألفابت. هذا التفصيل غيّر نبرة التقييم بالكامل: أمازون تنفق، نعم، لكنها تنمو بالسرعة نفسها.

لماذا تخسر ميتا بينما تكسب ألفابت وأمازون؟

يمكن اختزال الفارق في سؤال واحد:
هل ظهر مردود هذا الإنفاق فعليًا في المنتجات والخدمات؟

عند دراسة التقارير المالية:

  • ألفابت: نمو في خدمات السحابة، قفزة في المستخدمين (650 مليون شهريًا لتطبيق Gemini)، وتحسن ملحوظ في الإعلانات.
  • أمازون: AWS تتقدم بقوة، الإيرادات ترتفع 20%، وحصة السوق تستقر بعد فترة اضطراب.
  • مايكروسوفت: نمو قوي في Azure بنسبة 39%، لكن تكلفة التوسع تتضخم بشكل لافت.
  • ميتا: نمو إيرادات بنسبة 26%… لكن دون إثبات أن الإنفاق الهائل يتحول إلى تقدم تقني في النماذج اللغوية أو عائد واضح.

هذا يفسر لماذا تم معاقبة ميتا بشدة، حتى مع أن أرقام الإيرادات الإجمالية تبدو جيدة على الورق. لا شيء يحير المستثمر أكثر من إنفاق يتضاعف دون مكاسب تشغيلية واضحة.

ما الذي يدفع الطلب على هذه القدرة الحاسوبية الهائلة؟

لفهم هذا المشهد، يمكن تلخيص دوافع الطلب في ثلاثة اتجاهات رئيسية أراها تتشكل في السوق حاليًا:

  1. مؤسسات كبرى تحوّل عملياتها إلى نماذج ذكاء اصطناعي مدمجة بالكامل: مصانع، بنوك، شركات دواء—الجميع يعيد بناء بنيته التقنية حول الذكاء الاصطناعي، وهذا يعني استهلاكًا ضخمًا للشرائح والقدرة الحاسوبية.
  2. الشركات الناشئة التي تعتمد على تدريب نماذجها الخاصة: بعض هذه النماذج لن ينجح، لكن الرحلة نفسها تتطلب طاقة حوسبة تاريخية.
  3. تطور النماذج نفسه: كل نسخة جديدة تتطلب قدرات تدريب وتشغيل أكبر. الشركات الكبيرة نفسها تعترف بأن نماذج هذا العام أصبحت "تلتهم القدرة الحاسوبية" بطريقة غير مسبوقة.

هذا الطلب المتزايد هو ما يدفع الشركات للاستثمار بلا توقف في مراكز البيانات والشرائح والبنية الكهربائية.

أمثلة واقعية توضح أين يذهب كل هذا الإنفاق

1) تحسين محركات التوصية والإعلانات (ميتا + غوغل)

هنا يصبح العائد الفوري واضحًا. الإعلانات المعتمدة على نماذج ذكاء اصطناعي أكثر دقة تعني زيادة مباشرة في الإيرادات. إذا كنت منصة تملك 3.5 مليار مستخدم—كل زيادة صغيرة في دقة التوصية تتحول إلى مليارات سنويًا.

2) تسريع خدمات السحابة (Azure، AWS، Google Cloud)

شركة تعتمد على تحليل بيانات في الزمن الحقيقي—مثل شركات التجارة الإلكترونية—ستدفع بسخاء مقابل سحابة أسرع. وهنا يظهر أثر إنفاق مايكروسوفت وأمازون.

3) دعم انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي الاستهلاكي (Gemini، Copilot، Meta AI)

كلما زاد اعتماد المستخدمين على المساعدات الذكية، زادت تكلفة تشغيل هذه الخدمات. النمو في المستخدمين ليس مجانيًا—ألفابت قالت إن 650 مليون مستخدم لتطبيق Gemini يضع ضغطًا هائلًا على بنيتها التحتية.

هل هناك مخاطر حقيقية تجعل هذا السباق أقل مثالية مما يبدو؟

بالتأكيد. أبرزها:

  • المخاوف المتعلقة بعودة حالات "فقاعات الإنفاق"—كما أشار مديرو الأصول في تقارير السوق.
  • شبكات الاستثمار الدائرية في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة والتي يصعب قياس جدواها.
  • الارتفاع الكبير في استهلاك الطاقة، وهو عامل يكاد يكون أكثر صعوبة من تكلفة الشرائح نفسها.
  • التساؤلات حول الجدوى قصيرة المدى—حتى ميتا أقرت أن عائدات نماذجها لن تكون "ذات أهمية" في 2025 أو 2026.
السؤال الأكبر هنا هو: هل يمكن للشركات أن تستمر في الإنفاق بهذا المعدل قبل أن يصبح العبء أثقل من العائد؟

ما تعلمته من سنوات تغطية التكنولوجيا

من واقع 15 عامًا قضيتها في متابعة التقنيات الصاعدة، أرى نمطًا يتكرر: عندما يتحول الإنفاق إلى سباق تسلح، ترتفع المخاطر بقدر ما ترتفع التوقعات. حدث ذلك مع البلوك تشين في 2017، ومع الحوسبة السحابية في 2010، ومع الهواتف الذكية في 2008—والآن يتكرر مع الذكاء الاصطناعي، لكن على نطاق أضخم.

القاعدة نفسها تعمل هنا:
الإنفاق ليس المشكلة… غياب العائد الواضح هو المشكلة.

نصيحتي العملية للمديرين التنفيذيين والمطورين والمستثمرين:

  • قيّموا الشركات ليس حسب حجم إنفاقها، بل حسب قدرتها على تحويل هذا الإنفاق إلى منتجات قابلة للاستخدام الفعلي.
  • لا تنبهروا بعدد مراكز البيانات، بل اسألوا: من يستخدمها الآن؟ وما العائد؟
  • وتذكروا أن شركات التكنولوجيا العملاقة تنفق على سباق الذكاء الاصطناعي لأن عدم الإنفاق يعني التراجع—لكن الإنفاق وحده لا يعني التقدم.
ما يحدث الآن ليس مجرد توسع… إنها عملية إعادة تشكيل كاملة لصناعة التكنولوجيا. ومن سيصمد في النهاية لن يكون الأكثر إنفاقًا، بل الأكثر قدرة على تحويل القدرة الحاسوبية إلى نفوذ تقني واقتصادي حقيقي.
أحدث أقدم